سلّطت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الضوء على المليشيات الشيعية في العراق المدعومة من إيران، وقالت إن هذه المليشيات باتت اليوم تشكل مأزقاً، خاصة بعد التقارير التي أشارت إلى وجود نية إيرانية لاستخدامها في هجمات ضد القوات الأمريكية.
تقول الصحيفة إن هذه المليشيات العراقية المسلحة التي لها صلات وثيقة بإيران موجودة في كل محافظة عراقية، ومن ثم فهي باتت تمثل معضلة للعراق.
يقول إنتوني كوردسمان، محلل الأمن القومي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، هذه المليشيات بمنزلة وكلاء لإيران، وكلمة وكيل تعني أنها أدوات لإيران وهي ليست كذلك؛ فهناك جماعات في الحشد الشعبي من السنّة، وبعضها موالٍ للحكومة العراقية، والبعض الآخر لديه علاقات مع فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني، ومن ثم لا يمكن اعتبار أن كل الحشد الشعبي هو وكيل لإيران.
الحقيقة أن هذه المليشيات التي تنضوي تحت الحشد الشعبي هي مليشيات معترف بها من قبل الحكومة العراقية وممولة من طرفها أيضاً، حيث إن هناك ما يقرب من 30 مليشيا تنتمي للحشد الشعبي، الذي يبلغ قوامه نحو 125 ألف مقاتل.
تختلف علاقة هذه المليشيات مع إيران، فبحسب خبراء في بغداد وواشنطن فإن بعض هذه المليشيات المنضوية تحت الحشد الشعبي لديها علاقات عميقة مع إيران، بينما هناك مليشيات أخرى تختلف مع إيران وليست لديها علاقات معها.
أدت المليشيات المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي دوراً في قتال تنظيم داعش، وبعد القضاء على هذا التنظيم باتت تمثل عبئاً كبيراً على الحكومة العراقية، التي اضطرت لضمها إلى القوات الأمنية، وتشريع قانون خاص بها، ورغم ذلك ما زالت غير خاضعة لوزارتي الدفاع والداخلية، وبدلاً من ذلك صار لها وضعها القانوني الخاص.
تبدو بعض المجموعات المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي جيدة نسبياً، وتضطلع بمسؤوليات محلية على وجه الحصر؛ حيث تقدم خدمات الشرطة في المناطق التي لا تزال تفتقر لخدمات هذا الجهاز، ومع ذلك فإن البعض الآخر فاسد؛ يتصرف مثل المافيا، والعديد منهم اتُّهموا بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، ورغم أن هناك تقارير عنها ترفع لرئيس الوزراء، فإن لا أحد يمكنه كبح جماح تلك المليشيات.
القادة السياسيون في العراق اليوم يتخوفون من إمكانية معاملة بعض فصائل الحشد الشعبي كمنظمات إرهابية من قبل الولايات المتحدة؛ بحكم ارتباطها بالحرس الثوري الإيراني، خاصة أن بعض تلك الفصائل تضم شخصيات بارزة في الحكومة العراقية.
هناك 4 إلى 5 فصائل تنتمي للحشد الشعبي تمارس أعمالاً عسكرية غير مصرح بها، كما أنها مسؤولة عن ملفات فساد ورشى، كما تقول الصحيفة نقلاً عن مسؤولين عراقيين، مشيرة إلى أن هذه الفصائل تجبر رجال الأعمال على دفع مبالغ مقابل حمايتهم.
ولدى العديد من هذه الفصائل ممثلون في البرلمان العراقي، ويمكن لهذه الجماعات أن تضغط من أجل خدمة المصالح الإيرانية.
وتقول الصحيف الأمريكية إن هناك شعوراً بالقلق لدى العديد من المسؤولين الكبار في الحكومة العراقية؛ بسبب علاقة تلك الفصائل مع إيران، غير أن الكثير منهم يرفضون الحديث بمثل هذه المخاوف بشكل علني.
وزارة الدفاع العراقية أعلنت رفضها مشاركة فصائل عراقية مسلحة منضوية تحت الحشد الشعبي بالقتال في سوريا، غير أن الوزارة توصلت لتجنب المواجهة معهم.
بعد وفترة وجيزة أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية إحدى تلك المليشيات -وهي حركة النجباء- على لائحة الإرهاب، لتعلن الحكومة العراقية رفضها لإدراج أي فصيل في الحشد الشعبي على لائحة الإرهاب، ولكن دون الإشارة لحركة النجباء.
دخلت المليشيات الشيعية المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي إلى المناطق التي حُررت من سيطرة تنظيم داعش، وأمّنت الطرق، وقدمت إيران وقتها دعماً لتلك الفصائل، قبل أن تبدأ الحكومة العراقية أخذ هذا الدور بالتدريج.
يقول واثق الهاشمي، الخبير والمحلل السياسي في مجموعة الدراسات الاستراتيجية العراقية، إن فصائل الحشد الشعبي قدمت الكثير من أجل إنقاذ العراق من قبضة تنظيم داعش.
بعد ذلك، تقول الصحيفة، قامت تلك المليشيات التي شاركت بهزيمة تنظيم داعش بأنشطة غير قانونية، دون أن يقدموا شيئاً للمجموعات السكانية هناك، بل إن بعضها شارك بعمليات لتهريب النفط.
اثنتان من المليشيات المسلحة في العراق شاركت بهجمات ضد القوات الأمريكية عقب 2003، ومنها عصائب أهل الحق، التي يقودها قيس الخزعلي، الذي اتهمه الأمريكيون بتدبير هجوم على جنودهم في كربلاء عام 2007، ومؤخراً اتُّهمت تلك المجموعة من قبل جماعات حقوق الإنسان بعمليات قتل خارج إطار القضاء، كما اتُّهمت مؤخراً بالقيام بعمليات تجارية غير مشروعة في شمال العراق.
وتختم الصحيفة بالقول إن الكثير من السياسيين العراقيين الذين يرغبون ببناء بلدهم وتحسين حياة مواطنيهم يشعرون بضغط إيراني عبر تلك المليشيات، ما يمثل تحدياً هائلاً أمامهم.