شراء المنتجات التركية أو الإيرانية أو الأردنية بات أمراً اعتيادياً في العراق، بلد النخيل الذي يستورد حتى التمر من الخليج، لكن الحظر العالمي المفروض جراء تفشي وباء كورونا بدأ بتغيير المعادلة على مهل.
يقول أمين قاسم، صاحب مصنع مثلجات إن “فيروس كورونا قدم بعض الخدمات لنا، والأزمة سمحت لنا أن نثبت أنفسنا في السوق العراقية من حيث الكمية، ومن حيث جودة المنتج وأعطتنا مساحة أكبر”.
في السابق، وأمام المنتجات الأجنبية، لم يكن لدى “صنع في العراق” أي فرصة، بسبب ثمنها الباهظ وكمياتها الصغيرة وإنتاجها الذي يحتاج وقتاً طويلاً، لكن بإغلاق الحدود مع الحظر العالمي، فإن المصانع العراقية تمكنت من الدخول إلى اللعبة مجدداً.
وأدى إغلاق الحدود في ظل إجراءات الحظر إلى انخفاض أعداد المصانع.
يقول قاسم، وهو الذي يدير ثلاثة آلاف موظف في معامله للمثلجات والمواد الغذائية التي يصدرها من البصرة إلى باقي محافظات العراق “لقد تمكنا من استعادة أسواق كانت سحقتنا فيها الصادرات”، مضيفاً: “لم نعد بحاجة إلى خفض الأسعار في مواجهة الآيس كريم الإيراني الرخيص لتجنب الخسارة”.
في العام 2018، ووفقاً لمنظمة التجارة العالمية، صدّر العراق ما قيمته 97,2 مليار دولار من السلع والخدمات، لكنها كانت بنسبة 98 في المئة من النفط والغاز.
وفي الوقت نفسه، استورد بمبلغ 70 مليار دولار سلعاً وخدمات متنوعة مثل الكهرباء والطماطم والسيارات والدجاج المجمد.
لكن اليوم، ومع انخفاض أسعار النفط بثلاثة أضعاف تقريباً، فإن العراق يقف على حافة هاوية مالية.
وقد بدأ بالفعل فرض ضرائب على الواردات يطالب بها المنتجون المحليون المتضررون منذ سنوات، وبالتالي ارتفع الدخل الجديد من 2,5 مليون دولار في النصف الأول من نيسان إلى 7,3 مليون دولار في أيار.
ولتقليص مشترياته في الخارج، ستنخفض الواردات العراقية من 92 مليار دولار في 2019 إلى 81 مليار دولار في 2021، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
وبالفعل، فقد تراجعت الواردات الصينية في نيسان من ما يقارب مليار دولار قبل أربعة أشهر، أي بالكاد وصلت إلى 775 مليون دولار، وفقاً لأرقام رسمية من بكين.
أما من الجانب الإيراني، فانخفضت الواردات من 450 مليون دولار شهرياً إلى 300 مليون دولار.
وفي هذا السياق، فإن تنويع الاقتصاد واستئناف الصناعة بات أمراً ضرورياً، كما أن الدولة، التي لم تعد قادرة على التوظيف، وتعتمد على القطاع الخاص لخلق الثروات والوظائف.
ويقول هادي عبود، وهو يعمل في إنتاج الأنابيب البلاستيكية: “الآن أبيع الأنابيب البلاستيكية قبل تصنيعها”، ومع الطلبات الكبيرة للمواد المختومة بـ”صنع في العراق”، يؤكد مدير المصنع اليوم أن “الوضع تغير بشكل جيد”.
وأكثر من لمس التغيير في مدينة البصرة، هم الصيادون وتجار الأسماك.
يقول بائع السمك محمد فاضل، الذي ينصب بسطته في السوق المركزية يومياً: “منذ نحو شهر، ازداد عدد الأسماك”.
ويوضح أن “الكويتيين والإيرانيين لا يخرجون الآن”، وبالتالي فإن الصيادين العراقيين باتوا يسيطرون على المياه وأسماكها.
وبين أن الصيد بات معجزة لدرجة أن سعر كيلو سمك الزبيدي “انخفض من 20 إلى 11 ألف دينار” أي نحو تسعة دولارات.