قالت وكالة “رويترز”، الخميس، ان دبلوماسيين يعكفان سراً على قيادة جهود إيران للتأثير في السياسة في العراق، عبر تحول عن أسلوب فرض الإرادة الأكثر صرامة الذي كان ينتهجه القائد العسكري قاسم سليماني الذي قُتل في ضربة جوية أمريكية.
وذكرت الوكالة في تقرير انه “كان هدف الأساليب التوافقية هو كسر الجمود السياسي في بغداد، حيث تتصارع إيران مع الولايات المتحدة على النفوذ منذ نحو عقدين من الزمن، وأيضا تسريع رحيل قرابة 5000 جندي أمريكي من العراق، وفق ما ذكره ثلاثة مسؤولين إيرانيين بارزين يشاركون في العملية”.
ونقلت الوكالة عن مسؤول إيراني رفيع المستوى طلب عدم الكشف عن اسمه قوله: ”أحيانا ينبغي لك أن تأخذ خطوة إلى الخلف، وتراقب وتخطط بناء على الحقائق على الأرض“.
وأضاف ”نحن نريد أن يرحل الأمريكيون عن المنطقة، إذا كانت هناك فوضى في العراق… سيستغلها الأمريكيون ذريعة لتمديد بقائهم“.
واشارت الوكالة الى ان متحدثاً باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ذكر إن “واشنطن لا تتدخل في السياسة العراقية”.
واوضحت “رويترز” ان “واشنطن وطهران اقتربت من حافة الحرب في وقت سابق هذا العام بعد هجمات صاروخية على قواعد عراقية تستضيف قوات أمريكية وضربات جوية أمريكية على فصائل مسلحة، منها ضربة جوية قتلت سليماني في يناير كانون الثاني في بغداد”.
وبينت ان “سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني كان يوجه الحلفاء السياسيين في العراق ويخوض أربع حروب بالوكالة في الشرق الأوسط وسعى لفرض إرادته على السياسة في بغداد ومنذ مقتله، أجرى المسؤولون الإيرانيون محادثات جادة مع الرئيس العراقي برهم صالح للمرة الأولى منذ سنوات بهدف بناء الثقة وضغطوا على حلفاء إيران الشيعة للتوصل إلى حل وسط لإنهاء جمود حال دون تشكيل حكومة مستقرة”.
وتابع التقرير “غير أن بعض المصادر العراقية حذرت من أن المسؤولين الذين يأتون إلى العراق تربطهم أيضا صلات بالحرس الثوري، ويمتلكون سنوات من الخبرة في التعامل مع الشؤون العراقية ونفوذا كبيرا على كثير من الفصائل السياسية والمسلحة”.
ولفتت الوكالة انه “لم يتسن الحصول على تعليق من كل من وزارة الخارجية الإيرانية وسفارة طهران في بغداد بشأن الاتصالات بين المسؤولين الإيرانيين والحكومة العراقية وزعماء الفصائل المسلحة. ولم يتسن أيضا الاتصال بمكتب صالح للتعليق بخصوص دور إيران في العراق”.
رئيس وزراء جديد
واشار التقرير الى ان “النتيجة الأبرز على الإطلاق للنهج الإيراني الجديد كانت تعيين البرلمان هذا الشهر رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي، مدير المخابرات السابق الذي تنظر إليه بعض الجماعات المتحالفة مع إيران بعين الريبة بسبب علاقاته الودية مع الولايات المتحدة”.
وذكرت الوكالة انه “لم يرد مكتب الكاظمي حتى الآن على طلبات للتعليق من أجل هذا التقرير”.
وتابع التقرير ان “العراق عانى من اضطراب سياسي شديد بعدما استقال رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، الذي كانت تدعمه إيران، في نوفمبر تشرين الثاني في مواجهة احتجاجات واسعة على المصاعب الاقتصادية ومزاعم بفساد النخبة الحاكمة”.
ونقلت “رويترز” عن مسؤول عراقي رفيع قوله “إن الرئيس صالح عارض المرشحين المفضلين للأحزاب المتحالفة مع إيران لخلافة عبد المهدي باعتبارهم مثيرين للشقاق بدرجة كبيرة بالنسبة للسنة والأكراد”.
واضاف التقرير انه “في مارس آذار قام علي شمخاني أمين مجلس الأمن القومي الإيراني بزيارة رسمية تناول خلالها الطعام مع صالح في القصر الرئاسي”.
وقال مسؤول آخر، بحسب التقرير ”بعد زيارة شمخاني، سارت الأمور أكثر سلاسة“. وأضاف ”أظهرت إيران أنها مستعدة للعمل مع إبداء بعض الاحترام للسيادة العراقية، ومستعدة لترك العراق يختار حكومته“،ولم يتسن الحصول على تعليق من مكتب شمخاني أو المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الإيراني”.
وبين التقرير ان “اسم الكاظمي برز باعتباره الأوفر حظا لمنصب رئيس الوزراء على الرغم من أن بعض الفصائل المسلحة المدعومة من إيران لا تزال تعارضه”.
ولفت التقرير الى ان “فصيل مسلح جاهر بالإشارة إلى أن الكاظمي ضالع في مقتل سليماني في ضوء توليه رئاسة جهاز المخابرات العراقي الذي أسسه الأمريكيون بعد غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة للإطاحة بصدام حسين”. وقال جهاز المخابرات في بيان إن هذا الاتهام باطل”.
واوضح التقرير الى انه “وفي منزل قيادي شيعي في بغداد قبل ساعات من تصويت البرلمان على حكومة الكاظمي، أقنع حسن دانائي فر المسؤول بوزارة الخارجية الإيرانية وإيرج مسجدي السفير الإيراني الحالي في العراق رؤساء أحزاب وقادة فصائل شبه عسكرية بدعم الكاظمي”.
وذكرت “رويترز” ان “مسؤول بفصيل مسلح مقرب من منظمة بدر ذات النفوذ في العراق قال انه تلقى إحاطة بشأن الاجتماع (رسالة الوفد الإيراني كانت واضحة – الكاظمي هو الخيار الوحيد المتبقي للمحافظة على بعض الاستقرار في العراق وكذلك لحفظ ماء الوجه)“.
المخاطر لا تزال قائمة
وذكر “نائب عن حزب الدعوة الذي هيمن على الحكومة العراقية حتى عام 2018 إن بعض الفصائل المتحالفة مع إيران في العراق لا تثق في الكاظمي بسبب تصورات عن قربه من واشنطن عدو طهران اللدود”.
واضاف التقرير انه “على الرغم من أن دانائي فر ومسجدي فعلا ما يكفي لكسب الأصوات اللازمة لتنصيب الكاظمي فإن بعض الفصائل المسلحة تقول إنها لا تزال تشعر بالمرارة ويساورها الشك”.
ونلقت “رويترز” ان “كتائب حزب الله التي تدعمها إيران ووجهت الاتهام الخاص بمقتل سليماني قالت إن طهران مارست ضغطا هائلا في سبيل الموافقة على الكاظمي”.
واشارت الوكالة ان “جواد الطليباوي وهو مسؤول في عصائب أهل الحق المدعومة من إيران شبه الموافقة على تعيين الكاظمي بأنها (القبول على مضض بخيارات مريرة هي أشبه بأكل لحم الميتة)”.
ولفت التقرير “ويعزو بعض المسؤولين العراقيين موقف إيران الأكثر مرونة إلى ضغوط العقوبات الأمريكية وانتشار فيروس كورونا على نحو مدمر فيها ومقتل سليماني”.
وتابع التقرير انه “عندما أصبح الكاظمي رئيسا للوزراء مددت الولايات المتحدة إعفاء العراق من العقوبات المفروضة على إيران أربعة أشهر بما يسمح لبغداد باستيراد موارد الطاقة الإيرانية وهو ما يمثل شريان حياة اقتصاديا لطهران”.
واشار تقرير وكالة “رويترز” الى ان “واشنطن قالت إن هذا التنازل يهدف إلى دعم الحكومة الجديدة”.
ونقلت “رويترز” عن مسؤول غربي أن “طهران ترغب على ما يبدو في الحد من التوتر العسكري مع الولايات المتحدة ”في الوقت الحالي“، لكن نزعتها التوسعية في المنطقة حيث يوجد حلفاء لها في لبنان وسوريا واليمن لا تشير إلى تهدئة شاملة للتوتر”.