مضى 18 عاماً على سقوط صدام حسين شبّ خلالها جيل جديد من العراقيين لا يتذكر حقبة النظام السابق، لكنه يعيش حرماناً من فرص العمل ومقومات الحياة البسيطة، وكذلك الحق بالتعبير عن الرأي بحرية وأمان.
ولم يكن حسين المتحدّر من الناصرية في جنوب العراق يتجاوز الثالثة من العمر حين سقط النظام السابق في التاسع من نيسان/أبريل 2003.
ويتذكّر الشاب العراقي مدرسته الطينية المتهالكة في قرية جنوب الناصرية تمثّل بالنسبة له “الانهيار في البنى التحتية” الكبير في العراق. وكسائر أبناء جيله، كبر حسين وسط سلسلة حروب واضطرابات وحرمان من مقومات الحياة البسيطة، “من بنى تحتية وفرص عمل ومستشفيات وتعليم”.
وتضرّرت وانهارت منشآت البنى التحتية من دون أن يتم إصلاحها منذ الغزو الأميركي، فيما تعاني البلاد، ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، من انقطاع متكرر في التيار الكهربائي ونقص في المياه وتردٍّ في خدمات الانترنت.
– لا مكان للفقير –
ودفعت هذه الظروف القاسية ابراهيم البالغ من العمر 21 عاماً، لترك المدرسة منذ المرحلة المتوسطة، بهدف العمل. وهو يقضي يومه في نقل البضائع على دراجة نارية إلى كشكه الصغير في وسط مدينة كربلاء، لبيعها.
ويقول بينما يقف بين قطع غزل البنات الوردية التي يبيعها “كنت أحلم بالالتحاق بالكلية العسكرية، لكن الفقير لا يستطيع أن يعيش هنا”.
ويوازن حسين من جهته بين العمل والدراسة لإعالة عائلته المكونة من سبعة أفراد منذ أن كان في سن الثالثة عشرة، في بلد معدّل الفقر فيه بين الأطفال واليافعين يصل الى 2 من بين كل خمسة أطفال، وفق اليونيسف.
وإلى جانب متابعته دروسه الجامعية في كلية العلوم السياسية، لا يزال يسعى مع شقيقه الذي يصغره بعامين، الى إيجاد عمل بأجر يومي في متجر، بهدف توفير مدخول للعائلة.
ورغم أن حسين سيكون أول فرد في عائلته يحصل على شهادة جامعية، لكن أمله بالحصول على وظيفة ضئيل في ظل غياب الاستثمارات في القطاع الخاص في بلد يدخل فيه كل عام 700 ألف شاب جديد سوق العمل.
ويقف الفساد والزبائنية المستشريان أمام طموح الحصول على وظيفة في القطاع الحكومي الذي يتجه إليه العديد من الخريجين الجامعيين في فكرة متوارثة عن أيام النظام السابق.
ويقول حسين إن هذه التعيينات “تعطى فقط للمنتمين إلى أحزاب في السلطة”.
وتصل نسبة البطالة بين من هم دون الـ25 عاماً والذين يشكلون 60% من السكان الأربعين مليوناً، إلى 36%. ويعتبر هذا أحد أسباب انضمام الشباب العاطلين عن العمل إلى فصائل مسلحة تدفع رواتب شهرية فيما الدولة عاجزة عن دفع رواتب موظفيها بموعدها.
– أمل خجول –
أما خيار السفر لإكمال الدراسة في الخارج، فصعب أيضاً، لأن معظم الجامعات العالمية لا تعترف بشهادات المؤسسات التعليمية العراقية، فيما كانت جامعة بغداد على سبيل المثال قبل قرن من أعرق الجامعات في العالم العربي.
ودفعت كل تلك الأسباب حسين للمشاركة في تحركات احتجاجية منذ كان في السادسة عشرة من العمر، على الرغم من أنه نشأ في بيئة “قبلية” وعائلة “محافظة”.
ويروي: “في العام 2016، كنت أبيع سلعاً في ساحة الحبوبي، ثمّ يأتي محتجون وأنضم إليهم. كنت أخاف حينها من موقف أهلي وكنت مضطراً للعمل لأوفر مالا للعائلة”.
مع تجدد الاحتجاجات في العام 2018، “صرت أشارك بعلم أهلي أو بدونه”. كما انضمّ لاحقاً إلى تظاهرات تشرين الأول/أكتوبر 2019 غير المسبوقة , لكن كل هذه الاحتجاجات لم تثمر تجاوبا مع مطالب الشباب
واستشهد في التظاهرات المناهضة للفساد نحو 800 متظاهر، فيما تتواصل حملة الترهيب والقتل بحق ناشطين رغم تراجع وتيرة الاحتجاجات بشكل كبير.